Tuesday 2 December 2008

انا المقدّّس

I couldn't stop myself from posting this.
It is retrieved from: Al-Akhbar newspaper, Dec 2 2008
written by: Kassem, S. Kassem

لم يكن ينقصه شيء سوى أن يموت كل يوم ثلاث مرات كي يعلم بأنّه إنسان فوق مستوى الإنسانية، لعلّه يدرك بأن الحيوان داخله لا يقبل الترويض إلّا عبر الموت. هو لا يخاف الموت لأنّه مدخل إلى عالم آخر قد يكون جميلاً وفيه رأفة أفضل من هذا العالم. ربما ما لم يستطع تحقيقه هنا قد يحصل عليه هناك. نتمسك بالعديد من الأشياء ونعتقد بقدسيّتها، نراها تسقط واحدة تلو الأخرى. هكذا كان صديقي الذي ترك وراءه زوجة وطفلين وقرر الموت عندما كان يهرب من المكان الذي سرقه.
أما صديقتي، التي بكيتها كثيراً، فلم تكن تحب زوجها وقد تزوّجته «نكاية بأهلها وحبيبها القديم»، أصبحت الآن في ديار الحق وأخاف أن تسمعني. كل ما كنت اعتبره مقدّساً فقدَ هالة القدسية وتبيّن أنّه من أفعال البشر... ولأنّني «غشيم» اعتبر الإنسان مقدّساً ولم أكن أعلم بأنّ هذا المقدّس يخطئ ويصيب. في الحقيقة كنت أعلم بأنّه يخطئ... ولكنني كنت أبرّر أخطاءه من باب حسن النية، لكن كما يقول صديقنا «هزلت».
والدي الذي بدأت أشكك بقدسيّته كان إنساناً وأخطأ بحقّنا ورحل. لم ينتظر ليحين وقت المحاسبة لأحاسبه وأعاتبه. وتبيّنت لاحقاً أنّه ليس مقدساً بل إنسان عادي. ربما كان ذلك نتيجة موته بطريقة غير متوقعة ودفنه في المهجر وعدم رؤيتي لقبره. أو ربما لأنّني كنت أصغر من أن أعي قصص الموت وما يخلّفه وراءه.
أما فلسطين وهي أقدس المقدّسات، فإنّني أراها بدأت تفقد هالة القداسة التي تحيط بها لتعود مجرد قطعة تراب وسهول وهضاب وأودية والقليل من الجبال. فأبناء هذا البلد لا يعلمون أنّهم غمّسوا أيديهم بدمها ورحلوا يتصارعون من أجل سلطة. ربما هم لا يعلمون أنهم يقتلون فينا حلماً ويشوّهون ما هو مقدّس ويضيفون عليه صبغة الحقد والطمع الإنساني.
الآن اقتنعت بأنّه لا يوجد شيء مقدّس. المقدّس هو الشيء الذي لا يقبل التشكيك ولا يقبل أن يتم التفكير بمكانته، فهو مقدّس...
الشيء الوحيد المقدّس هو أنا... ومن بعدي فليأتِ الطوفان.

No comments: